نبذة
تأريخيـــــــــــــــة
يعتبر وادي الرافدين في المنظار الضيق، هو الأرض المحصورة بين نهري دجلة
والفرات، شمالي أو شمالي غرب التخصر الواقع عند بغداد، في العراق الحديث،
والمسماة الجزيرة. وجنوبي هذه المنطقة تمتد ارض بابل والتي اخذت اسمها من
مدينة بابل.
وفي المنظار الأوسع تعتبر ارض وادي الرافدين هي تلك الأرض الممتدة من
الخليج العربي من الجنوب الشرقي الى قمم جبال طوروس في الشمال الغربي
وتحدها جبال زاغروس من الشمال الشرقي والهضبة العربية من الجنوب الغربي.
لا يعتبر نهرا دجلة والفرات "رافدا العرب" توأمين إلا جنوبي بغداد، حيث ان
الأرض تكون نسبيا بمستوى سطح البحر، فيغير النهران مجرييهما دائما عبر
القرون. على الرغم من ان نهر الكارون قريب الصلة بالرافدين إلا ان له نظامه
الخاص.
ارض الرافدين الممتدة من جنوبي الرمادي على الفرات ( حوالي 70 ميلا أو 110
كم الى الغرب من بغداد) والمنعطف على دجلة جنوبي مدينة سامراء (حوالي 70
ميلا الى الشمال الغربي من بغداد) هي ارض واد خصب منبسط. لا يختلف منسوب
الأرض بين بغداد ومدخل شط العرب (حيث يلتقي دجل والفرات ليصبا في الخليج)
سوى 100 قدم (30 مترا). تراكمت نتيجة لبطء جريان المياه في النهرين كميات
كبيرة من الطمى والغرين مما تسبب في ارتفاع قاع النهرين. ونيجة لذلك فغالبا
ما يفيضان فيهدما الجروف وقد يغيرا مجراهما إذا لم تتم حمايتهما بسدود على
الجوانب. في الآونة الأخيرة تمت السيطرة على مياه النهرين شمالي بغداد
بإنشاء خزانات وقنوات تنظيم وتصريف تربط النهرين بتلك الخزانات. وبقيت ارض
الجنوب عبارة عن ارض اهوار كثيفة ومستنقعات يغطيها البردي، لربما كانت كذلك
منذ الآزل أرض تؤمن الحماية لمن يطلبها.
ان المياه لا تتوفر بانتظام، ونتيجة لمعدلات درجات الحرارة العالية وانخفاض
معدلات الهطل السنوي، فقد اصبحت ارض السهل من خط العرض 35 شمالا صلبة وجافة
وغير صالحة للزراعة لما لا يقل عن ثمانية شهور من السنة. ونتيجة لذلك فان
الزراعة دون المخاطرة بفشل الحاصل، والتي يبدو انها بدات في مناطق الهطل
الغزير وفي منطقة التلال المحاددة لارض مابين النهرين في القرن العاشر قبل
الميلاد، بدأت في بلاد مابين النهرين نفسها، القلب الحقيقي للحضارة، فقط
بعد اختراع وسائل الري الاصطناعية، بجلب الماء الى مناطق شاسعة من خلال
شبكة واسعة التفرع من القنوات. وادامت الارض كثيرة الخصوبة وبالسقي والبزل
الضروري، فستنتج بغزارة، واصبحت ارض جنوب مابين النهرين ارض الوفرة التي
يمكنها اطعام شعب كبير نسبيا. ان التفوق التراثي للقسم الشمالي لبلاد مابين
النهرين والذي استمر لغاية حوالي 4000 ق.م، كان قد سبقه سكان الجنوب عندما
استجاب السكان هناك الى التحدي الذي يفرضه الموقف عليهم.
ان الظروف المناخية الحالية هي قريبة الشبه بتلك التي سادت قبل 8000 سنة.
المسح الانجليزي لاثار المستوطنات في منطقة حوالي 30 ميلا حول مدينة الحضر
الاثرية (180 ميلا الى الشمال الغربي من بغداد) اظهر بان الحدود الجنوبية
للمنطقة والتي يمكن الزراعة فيها دون الحاجة الى الوسائل الاصطناعية بقيت
كما هي لم تتغير منذ الاستيطان الاول في الجزيرة.
ان توفر المواد الخام هو عامل تاريخي مهم جدا، كاهمية الاعتماد على تلك
المواد التي كان يجب ان تستورد. ان المنتجات الزراعية في بلاد مابين
النهرين ومنتجات المواشي، والاسماك، وزراعة النخيل وصناعة القصب ( باختصار،
الحبوب، الخضراوات، اللحوم، الجلود، الصوف، القرون، السمك، التمور، والقصب
ومنتجات اخشاب النياتات) كانت متوفرة بكثرة وكان من السهل انتاجها بما يفيض
عن حاجة البلد للتصدير. هناك عيون من القار في هيت (90 ميلا االى الشمال
الغربي من بغداد) على الفرات . ومن جهة اخرى فان الصوف والصخر والمعادن
كانت نادرة او حتى لاتوجد اطلاقا. النخيل – واقعيا الشجرة الوطنية في
العراق – تعطي خشبا يصلح للالواح الخشنة ولايصلح للاعمال الصقيلة. يفتقد
الصخر في الجزء الجنوبي من بلاد مابين النهرين، بالرغم من امكانية قلع
الصخور من الصحراء حوالي 35 ميلا الى الغرب وان "رخام الموصل" يوجد ليس
بعيدا عن نهر دجلة ولمسافات متوسطة. يمكن الحصول على المعادن من الجبال فقط،
ونفس الشئ ينطبق على الاحجار الكريمة وشبه الكريمة. ونتجة لذلك فان جنوب
مابين النهرين كانت ارضا مختصة بالتجارة منذ البدء.
من النادر ان تتوسع الامبراطوريات على مساحات واسعة تؤمن لنفسها واردات
وذلك بسلب او اخضاع المناطق المجاورة. ان المادة الخام التي اختصت بها
حضارة بلاد مابين النهرين هو الطين: من خلال المعالم المعمارية المبنية من
اللبن ومن اعداد وانواع التماثيل الصغيرة وابداعات الفخاريات، تحمل حضارة
بلاد مابين النهرين الطابع الطيني كما لا تحمله حضارة اخرى، ولا يوجد مكان
آخر في العالم عدا بلاد مابين النهرين، والمناطق الذي بسطت نفوذها عليها،
استخدم فيها الطين كواسطة للكتابة. ان مصطلحات مثل " الحضارة المسمارية"،"
الادب المسماري" ، و "القانون المسماري" لا يمكن ان تنطبق الا اناس يمتلكون
فكرة استخدام الطين الطري لا لصنع اللبن والجرار والتي كانت تختم لبيان
ملكيتها فحسب ولكن ايضا كواسطة لوضع علامات تدل على معان – انجازات ذكية
ادت الى اختراع الكتابة.
مزايا وتاثير بلاد الرافدين القديمة
هناك اسئلة عما حققته حضارة مابين النهرين وما لم تحققه، وكيف اثرت
بجيرانها او بمن اعقبها وخلفها وهل ان ارثها الذي انتقل عنها قد توقف من
وجهة نظر حضارة القرن العشرين وانها قد اصطبغت جزئيا بصبغات اخلاقية لذا
فان الاجابات ستكون نسبية فقط.
يفترض الدارسون المحدثون امكانية تقييم المجموع العام ل حضارة بلاد مابين
النهرين القديمة؛ ولكن منذ ان نشرت مقالة العالم بتاريخ الآشوريين " بينو
لاندزبيرغر" (1926 المفاهيم المميزة للعالم البابلي)، اصبح من الشائع جلب
الانتباه الى ضرورة النظر الى بلاد مابين النهرين القديمة وحضارتها كوحدة
مستقلة.
امتلكت بلاد مابين النهرين العديد من اللغات والحضارات؛ تاريخها مجزء الى
عدة فترات وعصور؛ ليس فيها وحدة جغرافية حقيقية، وفوق كل شئ لا توجد عاصمة
دائمة، فهي باختلافاتها تبرز متميزة عن باقي الحضارات ذات السياق الواحد.
تشكل النصوص والهياكل عامل توحيد، ولكن حتى في هذه تظهر بلاد مابين النهرين
ميلا الى التعددية والتنوع. جرى تصفح العديد من الوثائق المكتوبة والعديد
منها غالبا من نص واحد فقط. احتوت الهياكل على اكثر من 1.000 معبود، حتى
وان اتطبق العديد من الاسماء المقدسة على قائمة اسماء مختلفة لآله واحد.
خلال 3000 سنة من حضارة بلاد مابين النهرين ولد كل قرن القرن الذي يليه.
لذا فان الحضارة السومرية التقليدية قد اثرت بالحضارة الاكدية، وامبراطورية
اور الثالثة، والتي مثلت بذاتها مركبا سومريا اكديا، والذي ظهر نفوذه في
الربع الاول من الالفية الثانية قبل الميلاد.
ومع الحثيين كانت مساحات كبيرة من بلاد الاناضول قد انتشرت عليها وغطتها
حضارة مابين النهرين من 1700 قزمز وما بعدها. يعود الاتصال من خلال ماري مع
ابيلا في سوريا، والتي تقع حوالي 30 ميلا الى الجنوب من حلب، الى القرن
الرابع والعشرين قزم، لذا فان الصلات بين مدارس الكتابة في سوريا وفلسطين
والحضارة البابليةخلال فترة العمارنة ( القرن 14 ق م ) قد تكون لها اسلافا
اكثر قدما. وعلى اية حال فان تشابه الفكر في الادب المسماري والعهد القديم
كقصة الطوفان او حافز المعذب المستقيم، هونتيجة الاتصال المبكر وليس
لاقتباس مباشر.
|
مآثر بلاد مابين النهرين القديمة
يدين عالم الرياضيات والفلك بالكثير الى البابليين – مثلا، ان النظام
الستيني لحساب الوقت والزوايا والذي لا يزال عمليا بسبب قابلية القسمة
للرقم 60 ؛ ان يوم الاغريق المؤلف من ضعف 12 ساعة؛ والابراج الفلكية
واشاراتها. وعلى اية حال ففي الكثير من الحالات تبقى الاصول ووسائل اقتباس
غامضة، كما هي الحال في مشكلة بقاء النظرية القانونية لبلاد مابين النهرين.
يمكن التعبير عن مآثر الحضارة نفسها بذكر افضل نقاطها – الاخلاقية،
والجمالية، والعلمية، و اخيرا وليس آخرا الادبية. ان النظرية القانونية
ازدهرت وكانت متميزة في البداية، والتي عبر عنها بعدة مجموعات من القرارات
القانونية، والتي سميت بشرائع والتي كانت افضلها شريعة حمورابي. وخلال كل
هذه الشرائع يتكرر اهتمام الحاكم بالضعيف والارملة واليتيم – حتى وان بدت
النصوص احيانا وللاسف تكرار ادبي.
تخضع جمالية الفن ايضا للقيم الموضوعية والتي يمكن تقييمها بمصطلحات مطلقة،
وتبقى بعض الاعمال في القمة بارزة فوق البقية، وبالاخص فن اوروك الرابعة،
ومنحوتات اختام الفترة الاكدية والنحت شبه البارز لاشور ناصربال.
كانت العلوم التي حضيت بها بلاد مابين النهرين فريدة بالرغم من اختلافها عن
مفهوم العلوم عند الاغريق. تميزت العلوم في بلاد مابين النهرين، منذ
بداياتها في سومر قبل منتصف الالفية الثالثة ق.م، بالانهاية، والترقيم
الدقيق والترتيب في حقول وجداول وتسلسلات بابدع نموذج يحوي كل شئ في العالم
ولكن دون الرغبة او القدرة على تركيب او تقليل المادة الى الاسلوب. لم يعثر
على قانون علمي عام واحد، ونادرا ما عثر على استخام التناظر. وبالرغم من
هذا فقد بقيت نضرية فيثاغورس انجازا عالي القيمة ( مربع الوتر يساوي مجموع
مربعي الضلعين القائمين) حتى وان لم توضع بصيغة معادلة، الا انها كانت
مطبقة منذ القرن الثمن عشر ق .م. ان الانجازات الفنية كانت متقنة في بناء
الزقورات (ابراج المعابد على هيئة هرم) بقواعدها الضخمة، وفي الري ايضا في
المجالين الحسابي النظري والتطبيق العملي.
في بداية الالفية الثالثة ق م استخدم في اوروك حجر صناعي والذي يعتبر
النموذج الاول للكونكريت (160 الى جنوب الجنوب الشرقي لمدينة بغداد الحديثة)،
ولكن يبدو ان سر صناعته قد ضاع في السنوات اللاحقة. تغلغلت الكتابة في كل
مناحي الحياة مما ساهم في صعود طبقة بيروقراطية متطورة جدا – احد اهم
الموروثات اللصيقة القديمة في الشرق الاوسط. تطلب ادارة مقاطعات كبيرة
قابلية ادارة عالية والتي تحت حكم سلالة اور الثالثة مثلا لم يكن امرا
غريبا ان تنظم حسابات لآلاف الماشية وعشرات الآلاف من حزم القصب البردي. تم
اكتشاف ارقام متشابهة في ابيلا قبل ذلك بثلاثة قرون.
وفوق كل شي فان اداب بلاد مابين النهرين تعتبر واحدة من مآثرها الحضارية.
على انه ظهر الكثير من المقتطفات الادبية والمؤلفات المختارة ( مصنفات
للتعليم المهم)، بترجمات و توضيحات الدب مابين النهرين، اضافة الى محاولات
لكتابة تاريخها، لا يمكن حقا القول ان الادب المسماري قد نشر الى الحد الذي
يستحقه. هناك جزئيا اسباب مادية لهذا: فالعديد من الرقم الطينية بقيت بحالة
متشضية، ولم يكتشف بعد على نسخ منها من اجل الفاظ على النصوص، لذا فلا زالت
هناك فجوات كبيرة. وسبب اخر هو قلة المعرفة باللغات: قلة الالمام بالمفردات
وصعوبات اساسية في قواعد اللغة السومرية.
وعليه، فان جيلا اخر من علماء التاريخ الآشوري سيقضي قبل ان يمكن تقديم
الملاحم والاساطير والصفائح والتراتيل والشرائع القانونية وادب الحكمة
والاتفاقيات التعليمية الى القارئ بطريقة يمكنه معها تقديرالمستوى العالي
للابداع الادبي لتلك الحقب.
|
بلاد مابين النهرين من وجهة نظرتاريخية قديمة
ومتوسطة
اعادة الاستكشاف في العصر الحديث
قبل الحفريلت الاولى في بلاد مابين النهرين في حوالى 1840 ، كانت حوالي
2000 سنة قد مرت والتي خلالها كانت المعلومات عن الشرق الاوسط القديم تستقى
من ثلاثة مصادر فقط: الانجيل، والمؤلفون الاغريق والرومان، وخبراء تحليل
كتابات بيروسوس وبابل المكتوبة بالاغريقية. في عام 1800 عرف القليل عما كان
معروفا في عام 800 م، بالرغم من ان هذه المصادر كانت قد حفزت خيال الشعراء
والفنانين نزولا الى "ساردانابولس" (1821) للشاعر الانجليزي "لورد بيرون"
من القرن التاسع عشر.
ذكرت بلاد ما بين النهرين في العهد القديم ماعدا بناء برج بابل في قرائن
تاريخية حيث غير ملوك آشور وبابل مجريات الاحداث في فلسطين: وخاصة
تيكلاثبليصر الثالث وسنحاريب بسياستهما التهجيرية والسبي البابلي الذي قام
به نبوخذنصر الثاني. ومن الاغريق، هيرودوتس الهاليكارنيسوس (القرن الخامس ق
م في عصر خرخس الاول و ارتاخرخس الاول) كان اول من ذكر عن " بابل والباقي
من آشور" في ذلك التاريخ كانت الامبراطورية الاشورية قد اندحرت منذ مايزيد
عن 100 عام. لقد ساهم "خينوفون" في الحملة ( خلال 401 – 399 ق م ) ضمن
المرتزقة الاغريق الذين عبرو بلاد الاناضول وشقوا طريقهم على طول الفرات
الى منطقة بغداد، وعادوا صعودا باتجاه دجلة بعد معركة "كوناكسا " المشهورة.
في هذه الرواية يصف "خينوفون" الصراع الاخير بين سيروس الثاني
والامبراطورية البابلية الجديدة. في النهاية تبنى الاغريق جميع اشكال القصص
البديعة عن الملك نينوس والملكة سميراميس والملك ساردانوبولوص. توصف هذه
القصص عموما في الاعمال التاريخية ل داريوس سيسوليوس ( القرن الاول ق م )
والذي وضعها في تقرير اطباء الاغريق ستيسياس ( 405 – 359 ق م) .
راى هيرودوتس بابل بام عينه واعطى خينوفون درجا لرحلاته ومعاركه. كتب جميع
المؤرخين اللاحقين بدرجة ثانية او ثالثة ماعدا بيروسوس ( 340 ق م) والذي
هاجر بعصر متطور الى جزيرة كوس في بحر ايجة حيث قيل انه الف ثلاثة كتب عن
بابل. وللاسف لم ينج منها عدا مقاطع اعدها احد متعددي الثقافة الذين عايشو
الاسكندر ( القرن الاول ق م) والذي بدوره عمل كمصدر لاب الكنيسة يوسيبيوس (
342 م).
سخر بيروسوس من المؤرخين الاغريق الذين شوشوا تاريخ البلاد. لقد كان يعلم ،
على سبيل المثال بان ليست سميراميس من اوجد مدينة بابل ولكن كان نفسه سجين
بيئته ولم يكن يعرف اكثر عن تاريخ بلاده هو مما كان يعرف عن بابل في القرن
الرابع ق م. تناول كتاب بيروسوس الاول بداية العالم واسطورة تكوين الخلق،
خرجت "اوانيس" التي كانت نصف سمكة ونصف بشر الى شاطئ بابل في الوقت الذي
كان فيه الرجال يعيشون كحيوانات متوحشة. علمتهم اوانيس مبادئ الحضارة:
الكتابة، والفنون، والقانون، والزراعة، والمساحة والفن المعماري. وان اسم
اوانيس قد يكون اشتق من من الاسم " يوانا" السومري المخطوط بالمسماري او "اومانا"
الاكدي، اسم ثان للشخصية الاسطورية "ادابا"، جالب الحضارة. اما كتاب
بيروسوس الثاني فقد احتوى على قائمة ملوك البابليين من البداية ولغاية
الملك نبوخذنصر (ابو ناصر 747 – 734 ق م ) الذي عاصر تيغلاث بلصر الثالث.
من تقاليد بيروسوس البدء بقائمة الملوك قبل الطوفان والمعتمدة؛ انها تتفق
مع قائمة الملوك السومريين وحتى يمكن متابعة وتعقيب اسماء الافراد الى
اصولهم السومرية. حتى مدد الحكم الطويلة للملوك البدائيين والتي استمرت ل
18 "سارس" ( 18 x 3600 = 64.800 )
من السنين، قد وجدت في كتب بيروسوس. اضافة الى ذلك فقد كان مطلعا على قصة
الطوفان، حيث "كرونوس" يمثل المحرض و " خيسوثروس" (او زيوسودرا) البطل،
وبناء السفينة. اما الكتاب الثالث فيفترض انه بحث في تاريخ بابل من
نبوخذنصر الى وقت بيروسوس نفسه.
ارتكب " ديودوروس" خطا في تحديد مكان نينوى على الفرات، وقد اعطى "خينوفون"
شرحا لمدينتين، لاريسا ( من المحتمل مدينة نمرود الحديثة( وقديما كلخ) ،
الواقعة حوالي 20 ميلا الى الجنوب الشرقي لمدينة الموصل) و "مسبيلا" (
نينوى القديمة، الى الشمال من الموصل).
ربما لم يكن اسم ميسبيلا سوى كلمة باللغة الارامية المحلية تعني آثار، لا
يمكن ان يكون هناك تفسيرا اوضح للفجوة التي فتحت بين الشرق الاوسط القديم
والغرب التقليدي. بتناقض حاد فان الشرق كانت لديه حضارة وهي ان الاثار
المقابلة للموصل (في شمال العراق) تخفي نينوى القديمة.
ان الفضل في اكتشاف آثار بابل يرجع الى الايطالي "بيترو ديلا فالي" الذي
عرف بشكل صحيح الاثار الواسعة الى الشمال من مدينة الحلة الحديثة (60 ميلا
الى الجنوب من بغداد)؛ لابد وانه شاهد هناك برجا كبيرا مستطيل الشكل والذي
مثل الزقورة القديمة. وقبل ذلك شاهد رحالة آخرون برج بابل في منطقتين
اثريتين اخريتين ( برس الحديثة قرب الحلة)، التزجيج بالبرق، وزقورة عاصمة
الكيشيين، دور كوريكالزو، في برج عقرقوف 22 ميلا الى الغرب من بغداد.
جلب بيترو ديلا فالي معه الى اوربا اول نموذج للكتابة المسمارية. والواح
مختومة، والتي عمل منها العديد من النسخ الانطباعية. وبعئذ زار الرحالة
الاوربيون بلاد مابين النهرين بتواتر متزايد، ومن ضمنهم "كارستن نيبور" (
رحالة الماني في القرن الثامن عشر)، "كلاوديوس جيمس ريتش) ( مستشرق ورحالة
من القرن التاسع عشر) و "كير بورتر" ( رحالة من القرن التاسع عشر).
في الوقت الحالي اثر ثالث في الشرق الاوسط جلب الزوار من اوربا – برسيبولس،
في اراضي فارس شرق سوسيانا، قرب مدينة شيراز الحديثة في ايران. في عام 1602
رشحت تقارير الى اوربا عن مخطوطات ليست بالعربية او العبرية او الارامية او
الجورجية او الاغريقية. في عام 1700 اطلق الانجليزي "توماس هايد، مصطلح
الخط المسماري على هذه المخطوطات، وعرفت في منتصف القرن الثامن عشر بان
مخطوطات "بيرسيبولس" لها علاقة بتلك الموجودة في بابل. " تعرف "نيبور" على
ثلاثة ابجديات مختلفة (البابلية، والالمايتية، والخط المسماري الفارسي
القديم). لقد جرت اول محاولة يؤمل منها لفك الرموز من قبل عالم اللغات
الالماني "جورج فريدريك غروتيفيند" في عام 1802 ، باستخدام اسماء الملوك في
النص الفارسي القديم في المخطوطة المكتوبة بثلاث لغات، على الرغم من ان
محاولته قادته الى طريق مسدود. وتطورت بعد ذلك جهود حل رموز الخط المسماري
تدريجيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر لتصبح فرعا من دراسة اللغات
الشرقية القديمة، والتي اسست على نتائج الاعمال الرائدة ل"اميل بورنوف، و
ادورد هينكس، والسير هنري راولنسون، وعديدين غيرهم.
لا يزال الموضوع يعرف اليوم بعلم اللغات الاشورية، لان اغلب النصوص
المسمارية التي عثر عليها في نهاية القرن التاسع عشرجاءت من المدينة
الاشورية نينوى، وعلى الاخص من مكتبة الملك آشور بانيبال في جبل كويونجيك
في نينوى.
نشوء حضارة بلاد مابين النهرين
ان فترة العصر الحجري الحديث والعصر النحاسي بين حوالي 10.000 سنة ق م
ونشوء المستوطنات الدائمة الكبيرة، مراحل التطور التالية هي المميزة، قسم
منها مراحل متوازية:
-
تغير حياة الترحال، او التحول من الاقامة
الدائمة او الفصلية، ميزات جمع الصيد و تربية المواشي الى العيش في
مكان واحد لعدة سنوات او باستمرار.
-
التحول من الزراعة التجريبية الى الزراعة
المقصودة والمحسوبة للحبوب والبقوليات.
-
انشاء البيوت وما يتعلق بالمستوطنات ما
يخص الالهه والمعابد.
-
دفن الموتى في مقابر.
-
اختراع اواني الطين، صنعت اولا باليد ثم
بالدولاب وجرى فخرها بالنار لمنحها صلابة اكبر وفي عين الوقت تزيينها
بنقوش واصباغ.
-
تطور الحرف الاختصاصية وتوزيع العمالة.
-
انتاج المعادن ( الاستخدام الاول للمعادن
– النحاس – يؤشر التحول من العصر الحجري الخير الى العصر البرونزي).
ان مراحل التطور هذه لا يمكن تحديد توواريخها
بسياق المستويات في موقع منفرد واحد. وبدلا عن ذلك فقد تم لعب دور مهم
بمقارنة المواقع، بدءا من الافتراض بان الابسط والاقل تقنية هو الاقدم.
اضافة الى هذا الاسلوب من التأريخ والذي يبقى ذو صلة باسلوب الراديو كاربون،
او الكاربون 14 ، ان هذا الاسلوب اثبت اهميته المستزايدة منذ خمسينات القرن
العشرين. باستخدام هذا الاسلوب فان معدل تلاشي نضير الكاربون المشع (كاربون
14 ) في الخشب والقرون وخشب النبات والعضام يسمح لحساب الوقت الذي مضى منذ
وفاة المادة المفحوصة. على الرغم من افتراض نسبة خطا تصل الى 200 سنة فهذه
لا تعتبر ذات قيمة اذا ماحسبنا مادة يتراوح عمرها 6.000 الى 10.000 سنة.
حتى حين يكون الشك ضروريا بسبب استخدام نموذج غير متكامل، فان تواريخ
الكاربون – 14 تكون جيدة لتاكيد تواريخ مستقاة من وسائل اخرى. اضافة الى ان
اعمار الكاربون المشع يمكن تحويلها الى تواريخ اكثر دقة من خلال المقارنة
ببيانات تم الحصول عليها بواسطة علم الاشجار، اسلوب تقرير تمام العمر
استنادا الى تحليل الحلقات السنوية للشجرة.
ان اول زراعة، واول تدجين للحيوانات والتحول الى حياة الاستقرار حدثت في
المناطق التي يوجد فيها حيوانات سهلة التدجين، مثل الخراف،والماعز والابقار
والخنازير، حيث كانت النماذج البرية الاولى لنباتات الحبوب والبقول مثل
الحنطة والشعير والبيقة المرة، والبزلاء والعدس موجودة.
قد تكون الوديان والحدود الحشائشية للمناطق المحاددة للجبال في العراق
وايران وبلاد الاناضول وسوريا وفلسطين هي مراكز التوزيع، وقد تكون السفوح
الشمالية للهندو قوش. تسببت الحياة المستقرة في انخفاض نسبة وفيات الاطفال،
مما ادى الى زيادة السكان، وتوسعت المستوطنات من هذه المراكز الى الوهاد –
علما ينبغي التذكر بان هذا السياق الموسوم بثورة العصر الحجري، قد استغرق
آلاف السنين.
ان اول نموذج لهذه المستوطنات تقع على حدود بلاد مابين النهرين المواقع
المتاخمة ل "زاوي جمي شانيدر" و"شانيدر" ذاتها، والتي تقع الى الشمال
الغربي من راوندوز. يرجع تاريخها من الانتقال من الالف العاشر الى الالف
التاسع ق م وصنفت بمرحلة ماقبل الفخاريات. الاكتشافات شملت مجارش (مطاحن
بدائية) لطحن الحبوب (لا يعرف ان كان بريا او مزروعا)، بقايا اكواخ بقطر
حوالي 13 قدما، ومقبرة اضافة الى موجودات القبور. وجود رؤوس نحاسية هي دليل
معرفتهم بالمعادن، بالرغم من انه ليس بالضرورة تم اشتغالها بالادوات ووجود
الزجاج البركاني هو اشارةالى الحصول على مواد اولية غير محلية بوسائل مثل
التجارة. وجود العضام في منطقة زاوي جيمي شانيدر يدل على تدجين الخراف منذ
ذلك الوقت.
في كارم شاهير، الوقع الذي لايمكن ربطه بدقة حسب التسلسل الزمني الى
شانيدار، لقد تم الحصول على دليل واضح حول المعرفة بزراعة الحبوب، من خلال
المنجل الذي فيه لمعان من خلال الاستعمال ومن شي الطين بشكل تماثيل مفخورة
قليلا. وما زلنا في الحدود التلالية لبلاد مابين النهرين يمكن تتبع سياق
عمره 3000 سنة في موقع قلعة جارمو الى الشرق من كركوك، حوالي 150 ميلا الى
الشمال من بغداد. يمكن اعتبار بداية هذه المستوطنة عود الىعام 6750 ق م؛ ان
الحفريات كشفت عن 12 مستوى آثاري من القرى العادية، تحوي على 20 الى 25
بيتا مبنية من الطين المفخور وفي بعض الاحيان باسس من الحصى ومقسمة الى عدد
من الغرف. المكتشفات تشمل انواعا من الحنطة ونوعين من الشعير وعظام الماعز
والغنم والخنازير البلدية وادوات زجاجية واواني صخرية وفي الثلث الاعلى من
المستويات اواني فخارية برسوم ونقوش غير دقيقة تعطي اول دليل ثابت عن صناعة
الفخاريات.
قد تكون جارمو معاصرة لموقع جريشو في الاردن وجاتال هيويوك في بلاد
الاناضول (وسط تركيا). ان هذه المواقع بمستوطناتها المسيجة تبدو انها حققت
مستوى اعلى من الحضارة ولكن لا يجب التركيز على المقارنة بينهما لانه
لايوجد في او حوالي بلاد مابين النهرين صورة تشابهها في جرشو لوحدها. ان
وجهات النظر عن اقدم عصر حجري في العراق قد مر باستعادات متطرفة في ضوء
الاكتشافات التي تمت منذ السبعينات في قرمز دره و نمرك و مغزلية.
بعد حوالي 1000 سنه هناك قريتان هما الاقدم التان اكتشفتا لحد الان في وهاد
مابين النهرين: حسونه قرب الموصل وتل صوان
قرب سامراء.
الفخاريات اكثر تطورا في حسونة حيث تحوي نقوشا وتصاميم ملونة، ولكن النقوش
لا زالت غير مصقولة. احدى البنايات التي اكتشفت ومحتمل ان تكون مرقدا،
قياسا الى مخططها الارضي. ماعدا الحنطة الموجودة هناك الشعير الذي اصبح
فيما بعد المحصول الرئيس في جنوب بلاد مابين النهرين. اما في حالة تل
الصوان فان المستوطنات تقع الى الجنوب من حدود الاراضي التي تزرع ديما؛
وعليه فانها لابد كانت تعتمد على نوع من الري الصناعي، حتو وان كان هذا
يمثل سحب الماء من دجلة. ان هذا كان يحدد تاريخا يمكن معه تحديد المستوطنات
التي انشئت فيما بعد في جنوب مابين النهرين.
|
نشوء الحضارات
في الالفية التالية، الألف الخامس ق م من الامور الطبيعية التحدث عن
مصطلحات "الحضارات" او "الافاق" تحدد عموما بالفخاريات والتي يمكن تصنيفها
حسب الالوان، والاشكال والصلابة وفوق كل شئ بتصميماتها. ان اسم كل افق مشتق
اما من نوع الموقع او من المكان الذي وجدت فيه الفخاريات اولا: سامراء على
نهر دجلة، تل حلف في منتصف الجزيرة، مستوى حسونة الخامس، العبيد قرب اور، و
حاج محمد على الفرات، ليس بعيدا عن السماوة ( حوالي 150 ميلا الى جنوب
الجنوب الشرقي من بغداد).
مع تطور الآلات فان اول دليل على النقل المائي ( هو نموذج لزورق وجد في
مقابر يعود تاريخها الى ماقبل التاريخ في اريدو، في اقصى جنوب بلاد مابين
النهرين 4000 ق م) وتطور الطين، فان اكثر علامات التقدم اثارة للاعجاب هو
تسارع تقدم الزراعة. ان افضل مكان لمتابعة ذلك هي مدينة اريدو والتي كانت
مركز عبادة الاله السومري أنكي. الضريح من فترة العبيد وهو بالاساس مكون من
غرفة واحدة من بناء مستطيل بقياسات 40 x 80 قدما على ممر صناعي، فيه مائدة
للقربان ومذبح القرابين الذي يستند الى جدران قصيرة وممرات على كلا
الجانبين وبواجهة منقوشة بكواة. يقع هذا المعبد على سدة، ويحتمل انها كانت
قد صممت لحماية البناية من الفيضانات، وتعتبير عادة النموذج الاساسي
للمنشآت الدينية والتي تحولت بعدئذ الى زقورات في بابل.
ان المعبد فب اريدو هو نفس المكان الذي تقع فيه زقورة أنكي في عهد سلالة
اور الثالثة ( 2112 – 2004 ق م) لذا فان ممارسات العبادة لابد وان تكون
موجودة في نفس البقعة لما لا يقل عن 1500 – 2000 سنة قبل اور الثالثة نفسها.
وبالوقت الذي يعتبر هذا الامر ملفتا للانتباه فانه لا يمكن تبرير افتراض
استمرارية التقاليد العرقية. ان ازدهار فن العمارة وصل الى القمة في
المعابد ( او قاعات الاجتماعات) لاوروك والتي بنيت في حوالي الالفية
الرابعة الى الالفية الثالثة ق م ( مستوى اوروك الرابع – السادس).
باستخلاص المعلومات فيما يخص التعبير عن العقل والروح خلال الالفية السادسة
بعد اختراع الكتابة، فانه من المهم اخذ المصادر الاربعة التالية بنظر
الاعتبار: التصاميم والنقوش الموجودة على الفخاريات، اسلوب الاهتمام
بالموتى، والنحت، وتصاميم الاختام. لا يوجد هناك طبعا اي تبرير للافتراض
بان ذلك مرتبط بمجموعات عرقية.
ان اكثر الوسائل تنوعا لهذه التعابير هي التصاميم والنقوش على الفخاريات.
فانه ليس من باب الصدفة، انعدام وجود فخاريات منقوشة بنوعية عالية في
المناطق التي تطورت فيها الكتابة. كان الميل الى النقش بهيئة مقاطع او
اشكال هندسية او اشخاص بالرغم من رجحان النموذج الهندسي. من الاسئلة المهمة
هي وجود رموز مثل راس الثور والتي يمكن اعتبارها تعبيرا عن افكار دينية،
مثل عبادة الثيران، وقد تكون هذه النقوش تعني للتعبير عن او نقل افكار
ومعان معينة.
لا يعرف متى بدات عادة دفن الموتى في قبور، ولا يعرف ان كانت الغاية منها
ادامة الصلة (بعبادة الموتى) او من اجل حمايتها من القوى الشيطانية للموتى
غير المدفونين. ان اول مقبرة او مجموعة قبور ترتبط بدفن الممتلكات وجدت في
" زاوي حجي شانيدار".
ان وجود الفخاريات في القبور يشير الى ان الموتى كانت تدفن معهم حاجاتهم
وممتلكاتهم، فقد اكتشفت جمجمة كلب ونموذج زورق في مقبرة اريدو، تشير الى ان
فعاليات البشر في حياتهم يمكن ان يمارسوها بعد وفاتهم.
اقدم منحوته على هيئة امرأة مصنوعة من الطين. ان افق العبيد فيه تماثيل
لشخوص، رجال ونساء باجسام رشيقة جدا ونهايات ناتئة واضعين ايديهم على
خاصرتهم، وتبرز اعضائهم التناسلية بشكل واضح، وكذلك لنساء واطفالهن الرضع.
ليس من المؤكد وصف هذه التماثيل بالاصنام، وان كانت هذه التماثيل مواضيع
عبادة مثل تقديم النذور، او ان لها اهمية سحرية مثل سحر الخصوبة او الدور
الذي تؤديه.
اما اول نماذج مكتشفة من الاختام فهي اختام الطبع المكتشفة في "تبه كوره"
شمال الموصل. الاختام ذات الاشكال الهندسية وجدت قبل تلك التي نقش عليها
شخوص لرجال وحيوانات او لصراع بين الحيوانات، او تلك التي تصور اوضاع جماع
او رقص. هنا ايضا ليس من المؤكد ان كان القصد من المناظر التعبير عن معان
اعمق. وعلى اية حال فعلى عكس الفخاريات، نان للختم علاقة مباشرة بشخص معين
او مجموعة معينة، اذ انه يشير الى السبب من استخدامه ( لختم اناء، او وعاء
او حاوية) على انها ممتلكات او مسؤوليات اشخاص معينين. ان منطقة توزيع
الاختام هي شمال بلاد مابين النهرين، وبلاد الاناضول وايران. اما جنوب بلاد
مابين النهرين فكانت موطن الاختام الاسطوانية والتي كانت اما اختراع مستقل
او انها كانت صورة متطورة من الاختام المحفورة على الوجهين. اما الاختام
الاسطوانية ذات المساحات السطحية الاكبر والاستخدام الاوسع والاكثر عملية
فقد بقيت تستخدم حتى الالفية الاولى ق م . ولان الاختام الاسطوانية كانت
عرضة للتغيير المستمر في التصميم والاسلوب فتعتبر من اهم المصادر والمؤشرات
عند الآثاريين لتاريخ او مكتشف اثري معين.
وعموما فانه لا يمكن وصف فترة ماقبل التاريخ لبلاد مابين النهرين الا بدرج
ومقارنة الانجازات البشرية، وليس بحساب تفاعلات الافراد او الشعوب. لا توجد
هناك قواعد لتسجيل تحركات وهجرات الشعوب الا اذا كان هناك من هو مستعد
لمساواة انتشار نماذج معينة من الآثار مع حدود انتشار شعوب معينة، تغيير
الاشكال بتغيير الشعوب او ظهور اشكال جديدة عن طريق الهجرة.
ان الدليل الاكيد الوحيد لحركة الشعوب خارج حدودهم التقليدية قد توفر اولا
بالاكتشافات المادية الملموسة. ان اكتشاف الزجاج البركاني الاسود والحجر
اللازوردي في مواقع من بلاد مابين النهرين او الاراضي المجاورة هو دليل على
وجود التجارة سواء من خلال تجارة القوافل المباشرة او بسبب مراحل متوسطة
متعاقبة.
وحيث انه لا توجد ادلة على هويات عرقية، فلا يعرف شئ عن التنظيمات
الاجتماعية لمستوطنات ما قبل التاريخ. انه ليس من الممكن تتبع منشا ما يشير
الى وجود حكومة في القرية او اي ارتباط فوقي لمنطقة تتبع مركز مسيطر. ان
المنشلآت التي يمكن ان تكون قد اسست بواسطة تنظيمات عمالية باعداد هائلة قد
وجدت اولا في اوروك المستوى الرابع الى السادس: ان ابعاد مثل تلك البنايات
تشير الى انها كانت قد انشئت لايواء امئات من البشر. وكما في الري
الاصطناعي والذي كان لابد منه من اجل الزراعة في جنوب بلاد مابين النهرين،
وان اقدم اسلوب للري الاصطناعي ربما لم يكن بهيئة قنوات ري. يفترض ان مياه
الفيضانات كانت تحجز في احواض قرب المزارع، وهذه القنوات كانت ضرورية لأخذ
مياه النهر الى مناطق بعيدة عن النهر عندما اصبحت الاراضي المجاورة للنهر
لا تؤمن احتياجات الشعب.
|
دراسة انسان مابين النهرين في عصور ماقبل التاريخ
المدون
لقد حاول الكثير من علماء اللغة الوصول الى استنتاجات عن اصل الحضارة
المزدهرة لجنوب بلاد مابين النهرين وذلك بتحليل الكلمات السومرية. لقد ظنوا
انه من الممكن فرز كلمات اساسية قديمة غير سومرية عن المفردات السومرية من
خلال نسب كلمات معينة وفق نهاياتها اما الى لغات اساسية تعود الى العصر
الحجري الحديث او الى العصر النحاسي. تلك المحاولات اعتمدت على الحروف
الصوتية السومرية في مطلع الالفية الثانية ق م، والتي تسبق اختراع الكتابة
بما لا يقل عن 1000 عام. وحيث ان هناك فجوة كبيرة بين الاثنين فعليه ومن
حقيقة ان الكلمات السومرية ذاتها ابعد من ان يجري التحقق منها بما فيه
الكفاية، فقد اضفى الفاصل الزمني الهائل شكوكا كبيرة عن الصيغة المتبعة
للتفريق بين المفردات السومرية والتي سبقت السومرية.
ان اقدم شعوب بلاد مابين النهرين والذين يمكن التعرف عليهم من الآثار
المكتشفة واسلوب الكتابة – ( شعب بمفهوم الناطقين بلغة مشتركة) – هم ،
ماعدا السومريين، الشعوب السامية ( الاكديين وما قبل الاكديين) والسوبريين
( قريبين الى الحرانيين الذين قطنوا شمال بلاد مابين النهرين حوالي الالف
الثالث ق م ). ان وجودهم معروف ولكن لا توجد بيانات واضحة عن ماضيهم او طرق
محتملة لهجرة.
عند التحول من الالف الرابع الى الثالث ق م، انتهى العصر الطويل الذي سبق
التاريخ المدون، واصبحنا على عتبة عصر التاريخ، وذلك باختراع الكتابة. فقد
ثبتت الاسماء واللغات والأفعال باسلوب يعبر عنه برموز تمثل كلمة او مقاطع
كاملة. قد يحوي الرمز على صور حقيقية، او دلائل مختصرة او رموز اختيرت لا
على التعيين. وبما ان الطين لا يصلح لرسم الخطوط المنحنية، فقد اتجهوا الى
الخطوط المستقيمة. فعندما كان الكاتب يضغط القصبة بقوة عند بداية الكلمة
فقد شكلت ما يشبه الرأس المثلث ولذا فقد بدت على شكل اسفين (مسمار) على
الطين.
ان الفضل في هذا الاختراع يعود الى السومريين، وهو اول اسلوب للكتابة في (العالم).
حيث انه يمكن الكتابة بهذا الخط باية لغة فان المستندات التي سبقت الأكديين
( 2334 – 2154 قم) هي مكتوبة حصرا باللغة السومرية. اضافة الى ان التوسع
بطرق الكتابة لتشمل اختراع المقاطع اللفظية باستخدام اصوات الرموز التي
تمثل كلمات، مثل "جي" ومعناها ساق القصب استخدمت للاشارة عن الفعل "يعود"
لايمكن توضيحها الا باللغة السومرية. انه من المحتمل بان بلاد مابين
النهرين في الالفية الرابعة ق م، كما في الاوقات التالية كانت مؤلفة من
اجناس متعددة. هذا يبرر انه اضافة الى السومريين فان الاهتمام وحتى
المبادرة لايجاد لغات اخرى قد يكون له دور كبير في تشكيل اسلوب الكتابة.
يعتقد الكثير من الدارسين بان المواد الطينية او الرموز التي وجدت في مرحلة
ما قبل التاريخ قد يكون لها مدلولا حسابيا. ان بعض تلك الرموز التي كانت
باشكال مختلفة وذات ابعاد ثلاثية قد تعتبر سبقت الكتابة.
ان اللغة السومرية هي لغة مكونة من عدة عناصر: من حروف و مقاطع تدخل على
الكلمة فتغير معناها والتي تعبر عن علاقات وتغيرات نحوية حين اتصالها
بالاسماء او الافعال. ان محاولات معرفة اللغة السومرية عن قرب باساليب
المقارنة لم تثبت نجاحها لحد الان وقد لا تثبت نجاحا في المستقبل، لن
اللغات التي يمكن مفارنتها عرفت منذ سنة 500 م ( الجورجية) او سنة 1000 م (
لغة الباسك) – هذا بعد 3000 سنة. بعد هذا الوقت الطويل فان معدل التغير في
لغة ما ، وخاصة تلك التي لم تثيت بشكل مكتوب، كبير جدا بحيث لا يمكن للمرء
ان يقرر فيما لو كان هناك التشابه الظاهر بين الكلمات يعود الى علاقة اصلية
او مجرد مصادفة.
وبناء على ذلك، فانه لا يمكن الحصول على معلومات دقيقة بالنسبة للفئة التي
تنتسب اليها اللغة السومرية.
ان اهم حدث على مدار الالفية الرابعة ق م كانت ولادة المدينة. كانت هناك
اسلاف مثل الممتلكات غير المسيجة في مستوطنة "جرشو" في حوالي 7000 ق م،
ولكن بداية المدن بخصوصية واضحة جاءت فيما بعد. لا يوجد هناك تعريف متفق
عليه للمدينة. في هذا المجال، تعني مستوطنة تستخدم كمركز لمستوطنات اصغر،
حيث تحتوي الواحدة على معبد لاله او اكثر، والتي تحوي على مصدر رئيس للحنطة
واخيرا فقد وصلت مرحلة متقدمة من التخصص في الحرف.
ان اقدم مدن جنوب بلاد مابين النهرين، حسب اسمائها المعروفة، هي اريدو،
واوروك، وباد تبيرا، ونيبور، وكيش ( 35 ميلا الى الجنوب من بغداد). ان
مسوحات الآثاري الامريكي روبرت مكورمك ادامز والالماني هانز نيسن اظهرت كيف
ان حجم وعدد المستوطنات قد تحولت تدريجيا: فقد قلص عدد المستوطنات الصغيرة
جدا والصغيرة، في حين نمت المستوطنات الكبيرة. ان اوضح صورة للاستيطان في
المدن تظهر في اوروك، حيث الزيادة الانفجارية في حجم البنايات. ان المستوى
الرابع الى السادس لأوروك يحوي على بنايات منتظمة تغطي مساحات بقدر 275
قدما طولا و 175 قدما عرضا. ان هذه البنايات وصفت على انها معابد مادامت
المخططات الارضية متشابهة مع تلك المقدسة التي انشئت عليها، ولا يمكن
استبعاد البنايات المخصصة لاغراض اخرى مثل صالات الاجتماعات ولاغراض غير
دينية.
اضافة الى الرقم الطينية المكتوبة (المستوى السادس ب) فان المنجزات الرئيسة
في فترة اوروك الرابعة الى السادسة، هي قطع المنحوتات النادرة والاختام
المنقوشة وكذلك اشكال النقوش على الجدران والمعروفة بالفسيفساء المسماري.
اضافة الى الفخاريات ذات الاستعمالات اليومية وبالالوان الرمادي والاحمر
والمفخورة، وهناك نوع خشن يعرف بالاناء المشطوب الحافة. هذه هي اواني ذات
احجام قياسية والتي شكلت كقياس يعني اللتر. انه ليس من الخطا الاستنتاج بان
الانتاج الكمي لهذه الاواني القياسية كان من اجل توزيع التموين. ويكون هذا
اول مثال لاسلوب بقي نموذجيا في مدن جنوب بلاد مابين النهرين لقرون عديدة:
ان ادامة جزء من الشعب بتخصيص الغذاء من قبل الدولة.
يؤرخ المؤرخون عادة بداية التاريخ، نسبة الى ماقبل التاريخ وما بعد التاريخ،
منذ اول ظهور لمصادر كتابية مستخدمة. ان كان هذا يؤخذ على انه انتقال وتحول
من الالفية الرابعة الى الالفية الثالثة ق م، فيجب التذكر بان هذا ينطبق
فقط على جزء من بلاد مابين النهرين: الجنوب، ومنطقة ديالى، سوسيانا (
والاخيرة لها كتابتها الخاصة التي اخترعت محليا)، ومنطقة الفرات الاوسط،
اضافة الى ايران.